إنتهاكاتالتقارير

من السودان إلى مصر.. قصص عائلات فرَّت من نيران الحرب

    نتجت المواجهات الأخيرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتطرفة، المصنفة كمجموعات إرهابية، عن نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص من منازلهم في محاولة للهروب من أعمال العنف التي اجتاحت البلاد في 15 أبريل/نيسان 2023. ووفقًا لأحدث إحصائية منظمة الأمم المتحدة، بلغ عدد النازحين الداخليين 3.4 مليون شخص.

    أدت التصادمات الأخيرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى تهجير أكثر من أربعة ملايين شخص من منازلهم في محاولة للهروب من ألسنة الحرب في 15 أبريل / نيسان 2023. ووفقًا لأحدث إحصاء منظمة الأمم المتحدة ، بلغ عدد النازحين داخليًا 3.4 مليون شخص ، في حين نزح ما يقرب من مليون شخص إلى مصر وإثيوبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

    مدن الخرطوم وأم درمان وبحري هي مراكز العنف في النزاع السوداني، حيث استولت قوات الدعم السريع على معظم أجزاء العاصمة ودارفور، باستثناء بعض مناطق الفاشر ونيالا. وفيما يتعلق بالمناطق الشمالية والشرقية، استولت القوات المسلحة السودانية عليها، وفقًا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يغطي أحداث النزاع من 7 مايو/أيار حتى 20 أغسطس/آب الماضي.

    ساعتان بين الإنكار والرصاص

    قصة روضة الرشيد معتصم، 37 عامًا، معلمة رياض أطفال في إحدى المدارس الدولية في الخرطوم، تدور حينما انفصلت عن زوجها وانتقلت هي وأطفالها للعيش في منزل عائلتها في منطقة الخرطوم بحري، تحديدًا في منطقة “شمبات الأراضي جنوب”. في 15 أبريل/نيسان الماضي، استيقظت على صوت أشقائها وأبناء أخوتهم وهم يتابعون أخبار الحرب في التلفزيون، في البداية لم تصدق ما قالوه ولم تجد أي توضيح للحقيقة في القنوات.

    في مشهد متوتر، شاهدت روضة وإخوتها ما يتم نشره على صفحات التواصل الاجتماعي من تحذيرات بشأن عدم الخروج من المنزل. في تلك اللحظة، كانت ميليشيات الدعم السريع – حسب وصفها – تهاجم المدينة الرياضية في الخرطوم، وبعد ساعتين، امتلأت أصوات إطلاق النار في محيط المنزل، ومعها انتشرت أفزع الرعب.

    وتستمر روضة في رصد انتهاكات السودان: “شهد الأطفال مشاهد صادمة من الصراخ والبكاء المستمر، وفي تاريخ 17 أبريل / نيسان بدأت أعمال الضرب في كل مكان، وبعد يومين وتحديداً في ليلة عيد الفطر تعرض المنزل لإطلاق النار والتخريب، ولم يكن منزلنا الوحيد المتضرر، فقد تعرضت المنطقة بأكملها للأضرار الجسيمة”.

    ويركز الانتباه على أن النظام الصحي قد تأثر بشكل كبير بسبب الحرب، وهناك توقف في أكثر من 80٪ من المستشفيات بما في ذلك المستشفيات الخاصة بالولادة. وقد انتشرت الأمراض بشكل متزايد وفقد الملايين من الأشخاص الوصول إلى التغذية والرعاية الصحية والتعليم. سجلت منظمة الصحة العالمية 53 هجومًا على المنشآت الصحية ، وتوقفت إمدادات الماء والكهرباء.

    وتصف روضة حالهم خلال العشرة أيام التي عاشوها في جحيم الحرب، حيث اضطروا للاعتماد على كمية صغيرة من الماء للحمام والوضوء وكل ما يلزمهم. حاولوا الخروج في يوم العيد للبحث عن أوراقهم المهمة وسط أنقاض المدينة، لكن واجهوا صعوبة كبيرة بسبب تحوّل كل شيء إلى رماد بسبب الحرائق المدمرة. وتوضح أنها تعيش مع شقيقها الأكبر وعائلته المكونة من زوجته وأربعة أبناء وحفيدين، وشقيقتها مع زوجها وولديها. ولاحظ شقيقها أن الهروب من السودان هو الحل الوحيد للجميع وأن البقاء يعني الموت.

    مجازفة بالخروج

    بدأت العائلة رحلتها صباح يوم 25 أبريل/نيسان، وكانوا محاطين بالضربات من كافة الاتجاهات. وتقول الرشيد: “رأيت الضربات بعيني. كنا نتوقع أن يأتينا في أي لحظة وكنا خائفين”. وأضافت أنها فقدت العديد من الجيران والأقارب خلال الحرب في الخرطوم وأم درمان.

    فشلت ثلاثة مركبات في الوصول إلى منزل عائلة الرشيد في الخرطوم، حيث تمكنت قوات الدعم السريع من سيطرتها على “كوبري شمبات”. ومع ذلك، نجح سائق المركبة الرابعة في المغامرة والوصول إليهم عبر طريق بديلة، ونقلهم إلى قندهار. تقول روضة إنهم رفضوا السفر إلى إحدى الولايات في السودان، توقفا لإنتشار قوات الدعم السريع على الطرق. بعد انتظار دام أربع ساعات في خيام قذرة في حي قندهار بالخرطوم، وخلالها كانوا يتفاوضون على تكلفة مقاعد الحافلة الخاصة بنقلهم إلى معبر “أرقين” البري للدخول إلى مصر، رفع السائقون تكلفة الفرد من 25,000 جنيه سوداني (42 دولارًا) إلى 250,000 جنيه سوداني (416 دولارًا). واستطاعت عائلة روضة الحصول على المقاعد مقابل 150,000 جنيه سوداني للمقعد (250 دولارًا).

    وتتحدث عن رحلة العائلة التي استمرت لمدة ثلاثة أيام، وكانت الانتظار الطويل للعبور من الجانب السوداني إلى المعبر الأرقين، حيث كانوا يتناولون قليلًا من الطعام وينامون على الرصيف ويستند كل فرد منهم على حقيبته الصغيرة التي تحتوي على بعض الملابس. وتقول إنهم مرروا بسرعة عبر الجانب المصري، ولكن بعد الوصول إلى القاهرة تغيرت خططهم ولم يتمكنوا من العيش في نفس المنزل ولم تتمكن من إحضار إلا أحد من أبنائها، واستقر الابن الثاني مع أقربائها.

    تقول إنها لم تستطع العثور على وظيفة لتنفق على أطفالها، وتشتاق إلى منزلها في السودان على الرغم من الترحيب الذي حظيت به في مصر، وتتمنى أن تعود إلى بلدها وتجد الأمان مرة أخرى، وتوضح أنها تعيش حالة من الألم عندما تتذكر أيام الرحلة وأنها لم تتصور أنها ستعيش في حرب قرأت عنها في الكتب.

    في مداخلته مع قناة سي إن إن، تحدث وليام كارتر، مدير شؤون السودان في المجلس النرويجي للاجئين، عن الوضع في السودان بعد قضائه 10 أسابيع في البلاد. وصف الوضع بأنه مُدمر وأشار إلى أن ما يحدث هو حالة إنسانية طارئة خطيرة ومعقدة بشكل كبير. كما أوضح أن العمل في الخرطوم ودارفور غير آمن.

    “أيام مُرّة يا بنتي”.. موت ومرض

    بالنسبة لـ “وفاء” – سنذكر اسمها الأول لحماية زوجها – البالغة من العمر 60 عامًا، فهي ربة منزل وزوجة لضابط سابق في القوات المسلحة السودانية، وأم لخمسة أبناء، ثلاث فتيات وشابان، والأصغر منهم طالب في الجامعة. كانت قرارات الرحيل تشكل صعوبة كبيرة على أسرتها، حيث يعاني زوجها من السرطان والسكّر وارتفاع ضغط الدم ولا يستطيع التنقل. بالرغم من نقص الأدوية التي يحتاجها، رفض مغادرة السودان خلال فترة الحرب، رغبةً في الحفاظ على كرامته الوطنية.

    ولم تستطع وفاء البقاء لفترة أطول من 30 يومًا، وقررت بعد ذلك حماية بناتها من مصير محتم قريب، ففي الشارع المجاور لهم – حيث يقع منزلهم في الحي المقابل للمدينة الرياضية بأم درمان، والتي كانت موقع تجنيد قوات الدعم السريع قبل أن يقوموا بانقلابهم على الجيش – وصل المتمردون من قوات الدعم السريع ودمروا المحلات التجارية ونهبوا محتوياتها.

    وفاء تواصل متابعة انتهاكات السودان، حيث قرر زوجها البقاء في السودان لحماية المنزل ولكنه لم يستطع تحمل البقاء مع المتمردين في نفس المكان. لذلك، انتقل إلى منزل أقاربه في منطقة لم تتأثر بالقصف حتى ذلك الحين، وترك اثنين من إخوته في المنزل.

    وفاء تقول إن الدعم السريع كان يبحثون عن زوجها بعدما غادر حيث يعيش أقرباؤه. وحاولوا سرقة المنزل عدة مرات ولكن أشقاءها منعوهم. لذا، قاموا بقتل الأخ الأوسط وهو خارج المنزل بعد أداء صلاة المغرب بثلاث طلقات أصابته في القلب و الصدر.

    وتقول عن رحيلها: “قررت أن أخاطر وأترك مكاني على الرغم من تواجد قوات الدعم السريع في كل مكان. تجنبت حمل الحقائب حتى لا يشتبهوا فينا، وأخذت معي مبالغ مالية تساعدنا على الوصول إلى مصر، إضافةً إلى قطع من المجوهرات الخاصة بنا.

    أطلقت مصر معابر “أرقين” و “قسطل” لاستقبال اللاجئين الهاربين من الحرب منذ اليوم الأول وتسهيل إجراءات دخولهم. ووفقًا للبيانات التي أعلنتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين, بلغ عدد اللاجئين السودانيين المشردين من حرب ١٥ أبريل / نيسان في مصر أكثر من ٢٨٠ ألف شخص.

    وتمكَّنت وفاء وبناتها وبعض أقاربها من عبور المعبر “أرقين” والوصول إلى مصر، وتقول: “أنقذنا الله.. كنا موجودين بين أعينهم”، فيما قرر الاثنان من أبنائها التحرك مع مجموعة أخرى إلى بورتسودان، وبعد عدة أيام عادوا للمحاولة من “أرقين” ومن ثم الانتقال إلى وادي حلفا، للعبور من المعبر “أشكيت-قسطل”، وقد سجلوا أسماءهم وفي انتظار دورهم.

    وفاء تقول أنها في انتظار وصول ابنيها وحاولت جلب زوجها إلى مصر بعد دخوله منطقة الاشتباكات التي يتواجد حاليًا فيها، ولكنهم تراجعوا خوفًا من أن يتم كشف هويتهم أمام المتمردين.

    استهداف أبناء العسكريين

    مع أنهم غادروا السودان، إلا أن أخبار الحرب تؤثر بشكل كبير على حالتهم النفسية. وفاء تقول إن ابنتها فقدت العديد من زملائها وأساتذتها في الكلية العسكرية التي درست فيها، وتوضح أن الحادث الأكثر تأثيرًا كان قتل والد صديقتها. وتضيف أن أبناء العسكريين يكونون هدفًا لقوات الدعم السريع.

    ويريدون أن يلفتوا الانتباه إلى أن قرارهم الأول كان القدوم إلى مصر. ويقول وفاء أنهم ينتمون لمصر بشكل كبير وأن إخوتها استقروا فيها منذ سنوات. وتعرب عن أمنيتها بأن يجمعها الله بزوجها وأبنائها في بيت واحد. وتضيف أنها تعيش أيامًا صعبة، وتتوقع أن يستغرق السودان عامين أو أكثر لإعادة بناء البلاد؛ حيث تم تدميرها بشكل لا يمكن تصوره في الحرب، إذ كانت قوات الدعم السريع تحرق المنازل إذا لم يجدوا ما يسرقونه فيها.

    وقالت إنهم لم يجِدوا إلا اللطف والترحاب في مصر، فمنذ وصولها إلى الإسكندرية – حيث تُعيش – تم استقبالهم بترحاب وشعروا بالمحبة من الجميع.

    زادت جهود المجتمع الدولي لمناقشة الوضع في السودان والعمل على إيجاد حل للأزمة الحالية وتحقيق وقف لإطلاق النار وتوفير المساعدات الإنسانية. عقد مجلس الدول العربية جلسة استثنائية في السابع من مايو/أيار، وفي الحادي عشر من الشهر نفسه توقيع الطرفين إعلاناً في جدة يتعهدان فيه بحماية المدنيين السودانيين، بعد محادثات ترأسها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

    في الشهور الأخيرة، شهد مجلس السلم والأمن المرتبط بالاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية عقد عدة مؤتمرات لوضع خطة لحل النزاع السوداني. وفي 13 يوليو الماضي، عقدت مصر قمة للدول المجاورة للسودان وأطلق البيان الختامي توصيات بالتزام الأطراف بوقف فوري وكامل لإطلاق النار واحترام سيادة السودان وإنهاء أي تدخل خارجي، بالإضافة إلى تيسير المساعدات الإنسانية عبر الحدود وتنسيق الجهود لحل النزاع.

    Related Posts

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى