المراقب لتغطيات وسائل الإعلام الإماراتية والمرتبطة بدولة الإمارات عمومًا، يلاحظ انحيازها الواضح والصريح في الصراع السوداني إلى قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو التي تشكلت إلى حدٍ كبيرٍ من مليشيا الجنجويد سيئة السمعة.
لا يعمل الإعلام الإماراتي على تبني دعاية المليشيا سيئة السمعة فحسب، بل يحاول تبرئتها من الفظائع الموثقة التي تورطت فيها منذ بداية الحرب في أبريل/نيسان الماضي، كما سنوضح لاحقًا في هذا التقرير.
لطالما كانت العلاقة بين قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي” ودولة الإمارات، مريبةً للغاية منذ صعود الأول إلى المشهد السياسي السوداني بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل/نيسان عام 2019.
فمنذ اللحظات الأولى التي تلت سقوط البشير بدا أن الطموح الجامح لحميدتي منظم للغاية، ما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن قائد المليشيا القوي تقف خلفه كيانات ودول، وليس مجرد طموح شخصي يتمثل في الوصول إلى كرسي الرئاسة، إذ بدأ حميدتي مشواره السياسي بكثرة الظهور الإعلامي والترويج لسردية انحياز قواته إلى الشعب السوداني، فصرح في مقابلة تليفزيونية، أن الإطاحة بالرئيس عمر البشير جاءت بعد إصراره على التصدي للمتظاهرين خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد لنحو أربعة أشهر.
وقال بعد سقوط المخلوع بيومين، إنه خوفًا من حدوث تفلت من جانب بعض المليشيات ومن دخول مندسين وسط المتظاهرين تم التشاور بين القوات النظامية بضرورة تنحي الرئيس، وإبلاغه بالأمر.
تدريجيًا، بدأ دقلو يخطف الأضواء من الرجل الأول الجنرال عبد الفتاح البرهان، إذ ابتدر عمله كنائب لرئيس المجلس العسكري في القصر الجمهوري باستقبال دبلوماسيين ومبعوثين غربيين مثل القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم “آنذاك” ستيفن كوتسيس.
بعدها أجرى زيارات خارجية للدول المتحالفة مع المجلس العسكري، فزار السعودية واجتمع مع الحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم زار دولة الإمارات العربية المتحدة واجتمع مع قيادتها.
لنتذكر أنه فور سقوط البشير، سارعت الإمارات بتأييد ودعم “المجلس العسكري السوداني” الذي تزعمه قائد الدعم السريع “حميدتي” مع عدد من جنرالات الجيش الموالين للسعودية والإمارات، وأرسلت أبو ظبي وفدًا مشتركًا مع السعودية يتقدمه الفريق طه الحسين، المدير الأسبق لمكتب الرئيس المخلوع، الذي يشغل حاليًّا منصب مستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد حصوله على الجنسية السعودية.
تلقى السودان آنذاك تعهدات بدعم مشترك إماراتي – سعودي قيمته 3 مليارات دولار، وأرسلت الإمارات أكثر من 2000 سيارة من طراز “تويوتا بوكس” لقوات الدعم السريع، انتشرت في شوارع الخرطوم واستُخدمت في مجزرة فض الاعتصام في محيط القيادة العامة، هذا بالإضافة إلى دعم قوات حميدتي بالمدرعات الصغيرة وناقلات الجنود في المراحل الأولية التي تلت فض الاعتصام، بعد ذلك تحول الدعم إلى الأسلحة الثقيلة.
وإذا أردنا أن نبحث في أبرز المنصات الإعلامية الإماراتية التي تسعى لتضخيم دعاية مليشيات حميدتي وتبرئتها من الفظائع الموثقة التي ترتكبها منذ 15 أبريل/نيسان الماضي وأعادت إلى الأذهان سلوك الجماعة الإجرامية خلال حرب دارفور، فإننا يمكن أن نلخصها فيما يلي:
برق السودان: منصة إماراتية بثوب سوداني على تويتر
رغم أن منصة “برق السودان” تعرف نفسها بأنها “منصة إخبارية رقمية سودانية مستقلة شاملة”، فمن الواضح أنها إحدى المنصات المرتبطة بمؤسسة برق الإمارات وحسابها على تويتر @UAE_BARQ تم تدشينه عام 2011.
انضم حساب “@SDN_BARQ” إلى موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عام 2017، ومن اللافت أنه يملك هوية بصرية تقارب هوية حساب “برق الإمارات” @UAE_BARQ، الذي يتابعه نحو 2.5 مليون متابع.
من خلال نظرة سريعة على محتوى منصة “برق السودان” على تويتر، نجد أنها تعمل بشكلٍ حثيثٍ على مساندة إعلام مليشيا الدعم السريع في تضخيم دعايته، مثلما نشرت المنصة بتاريخ 8 يونيو/حزيران مادة فيلمية بجودة عالية تحت عنوان “قوات الدعم السريع تسير قافلة مساعدات إنسانية للمواطنين لمنطقة (الجيلي) شمال بحري”
غير أن التعليقات أسفل الفيديو تشير إلى أن المادة لم تنجح في غسل سمعة الدعم السريع، فقد لفت معظم المعلقين إلى أن المواد الغذائية “على قلتها” – حيث لا ترقى لوصف قافلة – كانت مسروقة ونهبتها المليشيا من مخازن أخرى، استدل بعضهم على ذلك بأن قوارير زيت الطعام جاءت في شكل عبوات فردية وليست في شكل Packets.
كما حاولت المنصة تبرئة الدعم السريع من الجرائم التي ارتكبتها المليشيا، حيث زعم تقرير لـ”برق السودان” في وقت سابقٍ أن موسى هلال، زعيم قبيلة المحاميد، يُشرف على العصابات المسلحة التي تسبب حاليًّا فوضى النهب والسرقة في الخرطوم.
أشار التقرير إلى أن روايات شهود عيان جمعتها عدة منظمات دولية عن حالات يبدو فيها أن ميليشيا موسى هلال، كانت تستخدم سيارات لاند كروزر “دفع رباعي” وترتدي زيًا عسكريًا شبيهًا بزي قوات الدعم السريع، لكن الموقع لم يذكر أسماء تلك المنظمات المزعومة، ما يؤكد أنها مجرد محاولة من المنصة لغسل سمعة الدعم السريع.
العرب الممولة إماراتيًا.. منصة لمستشار حميدتي
كثيرًا ما توصف صحيفة العرب الممولة إماراتيًا التي تصدر في لندن بأنها تعبر عن سياسة أبو ظبي في المنطقة، ونجد أنها منذ تفجر الصراع الحاليّ في السودان انضمت إلى تبنى دعاية الدعم السريع بشكل يفوق منصة “برق السودان”.
ففي الشهر الماضي نشرت الصحيفة تقريرًا بعنوان “قوات الدعم السريع تدحض التضليل الإعلامي للجيش بشأن اقتحام السفارات”، جاء فيه أن “قوات الدعم السريع بقيادة الفريق الأول محمد حمدان دقلو دحضت ادعاءات الجيش السوداني بشأن تعرض سفارة الأردن أو مقر إقامة السفير السعودي لاعتداءات، وذلك في خضم احتدام المعركة الإعلامية الموازية للقتال على الأرض التي حققت فيها الدعم السريع مكاسب ميدانية ما يجعلها في موقع قوة خلال المفاوضات الجارية في مدينة جدة بالسعودية”، بحسب الصحيفة.
استند تقرير العرب فقط على بيان النفي الصادر من الدعم السريع، فيما تجاهل بشكلٍ كاملٍ وعن عمد بيانات السفارتين الأردنية والسعودية بشأن الاعتداء والتخريب الذي نفذته المليشيا.
لم تكتف صحيفة العرب بتضخيم دعاية الدعم السريع فحسب، بل أتاحت منبرًا لمستشار قائد الدعم السريع يوسف عزت، ليبث دعاية وأفكارًا إضافية تصب في صالح المليشيا، ولأجل تشويه صورة الجيش السوداني “وهي بالطبع ليست صورة ناصعة البياض”.
في مقالة نشرتها له الصحيفة يوم السبت 10 يونيو/حزيران الحاليّ، قال عزت: “هذا الجيش بغض النظر عن سيطرة الإخوان المسلمين عليه في الثلاثين سنة الماضية، فقد ظل هو العصا الغليظة لإخضاع كل من يعارض الدولة القائمة ويحمي مصالح فئات ظلت تتداول السلطة عسكريًا وديمقراطيًا، وتستخدمه لحسم من يعارض أو يحتج أو يتطلع إلى أن يكون جزءًا من إدارة الدولة، هذا الجيش لم يكن يمثل كل السودانيين وارتكب كل ما لا يخطر على بال في الجنوب وفي جبال النوبة وفي النيل الأزرق وفي الشرق وحتى في الخرطوم”.
حسابات تويتر.. أمجد طه أبرزها
هناك أيضًا حسابات شخصية معروف عنها ارتباطها بأبو ظبي تعمل على الترويج لحميدتي وقواته، على رأسها حساب “أمجد طه” الذي يقدم نفسه على أنه مواطن بحريني الجنسية يشغل منصب “الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات الشرق الأوسط”.
غرّد طه قبل يومين قائًلا: “{ما لكم كيف تحكمون} يا من تدافع عن قوات الإخوان بقيادة البرهان.. أَلَمْ تسمع شهقات الثكالى.. صرخة الطفل الذي قصفه بيته طيران البرهان في الخرطوم. بالفيديو شهادة الناس لا مغردي #الكيزان:في #السودان جيش الإخوان يقصف المدنيين والمستشفيات والأسواق ويحرق أماكن اللاجئين”
إذًا هي السردية ذاتها التي تعمل عليها مليشيات حميدتي، الترويج إلى أن الجيش السوداني يتعمد قصف الأحياء السكنية لقتل المدنيين، مع التجاهل التام لاحتماء عناصر المليشيا بالأحياء السكنية وسط المدنيين العزل وتورطها في جرائم النهب والاغتصاب والتدمير المتعمد للبنية التحتية.
الإعلام الإماراتي يتجاهل هاشتاغ “الدعم_السريع_يستبيح_بيوتنا
كان من اللافت أيضًا أن إعلام أبو ظبي تجاهل تمامًا الهاشتاغ السوداني الأبرز الذي تصدّر الترند في عدة دول حول العالم، بهدف توثيق جرائم المليشيا المتمثلة في احتلال منازل المواطنين ونهبها بعد طردهم منها تحت تهديد السلاح.
الهاشتاغ المذكور وجد تغطية واسعة من وسائل إعلام عربية وأجنبية مثل قناة الجزيرة وشبكة CNN الإخبارية وغيرهما، لكن وسائل الإعلام الإماراتية أو الممولة من أبو ظبي لم تتفاعل مع قصة الهاشتاغ رغم القيمة الخبرية العالية التي يتضمنها.
تعليقًا على الدعم الإماراتي بشقيه الإعلامي واللوجستي لقوات الدعم السريع وقائدها حمديتي، قال الصحفي والمحلل المتخصص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مات ناشد: “رئيس دولة الإمارات محمد بن زاید معروف بكراهيته وعدائه لتنظيم الإخوان المسلمين الذي يعتبره التهديد الأكبر للإمارات”.
وأضاف ناشد لـ”نون بوست” لهذا السبب كان الدعم الإماراتي لكل فصيل في أي دولة إقليمية يعمل ضد الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر قدم نفسه للإمارات كمحارب للإسلاميين منذ العام 2014، وأردف قائلًا “حميدتي يقدم نفسه وقواته على أنهم أعداء للإسلاميين”.
واختتم ناشد إفاداته قائلًا “ما نراه الآن أن القوى الخليجية وخاصة دولة الإمارات تدعم حكم العائلات المتنفذة في دول المنطقة.. وعائلتا دقلو وحفتر ليستا استثناء”.
أخيرًا، يمكن أن نخلص بنهاية هذا التقرير إلى أن الفظائع التي ارتكبتها الدعم السريع، بعد 15 أبريل/نيسان الماضي إلى اليوم قضت بشكلٍ نهائي على كل محاولات التلميع وغسل السمعة التي كان يقوم بها محمد حمدان دقلو ومستشاروه وحلفاؤه وداعموه من سياسيين سودانيين أو قادة دول إقليمية.
يكفي أن منظمة “أطباء بلا حدود” فضحت سلوك المليشيا الإجرامية في سلسلة تغريدات يوم السبت، قالت فيها إن فريق عملها أُجبِر من مسلحي الدعم السريع على تسجيل شهادة زور بالفيديو للإشادة بممارسات المليشيا، وإلا فإن المسلحين لم يكونوا ليسمحوا بمرور قافلة المساعدات الطبية.
تغريدات “أطباء بلا حدود” تؤكد من جديد أن كل الأشخاص الذين يشيدون بسلوك “الدعم السريع” إما يفعلون ذلك لقاء مقابل مادي وإما اضطروا للقيام بذلك تحت تهديد السلاح، وهو ما يُفند مزاعم حميدتي الذي يتشدق بأن قواته تقاتل من أجل الديمقراطية ومحاربة الإسلاميين.