ما ترتكبه مليشيات الجنجويد من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الجزيرة مستهدفةً المواطنين العزل، بجانب كونه سلوكا متجذرا فيهم منذ ثلاثة عقود في دارفور، هو في حقيقته أمر أكبر من ذلك. هذه الجرائم الممنهجة ليست سوى خطة عسكرية أوصى بها خبراء عسكريون يعملون مع الإمارات وذلك لجر الجيش إلى معارك تقوم على أساس “حرب الفزع”، أي أن تتحرك قوة من الجيش كلما سمعت بأن القرية الفلانية تتعرض لهجوم جنجويدي. وكل عسكري مهني يعلم بأن الجيوش النظامية (على عكس الشرطة) لا تحارب إلا عبر خطة متكاملة.
بموجب إفادات شهود، وبالنسبة للذين يعرفون صعوبة التحرك بين قرى الجزيرة ما بين مفازاتها وما بين كناراتها، فإن مليشيات الجنجويد تتحرك كما لو كانت تملك خرائط قمرية دقيقة الإحداثيات مرسومة عبر أقمار صناعية، تجعلهم قلما يصلون طريقهم بين غابات الكنارات. وقد ظهر هذا في تحركاتهم الدقيقة في مفازات شمال الجزيرة حيث يمكن أن يقضي المرء 10 ساعات تائها من الشرق ما بين اللعوتة إلى ود الكريل غربا.
وكما هو معلوم في القانون الدولي، مسئولية أمن وسلامة مواطني الجزيرة تقع رسميا وقانونيا على عاتق القوة العسكرية التي تسيطر على مناطق سكنى وتواجد المدنيين. تجاه هذا القانون المتجاهَل عمدا من قبل المجتمع الدولي، يدفع الجنجويد (مثلا في مجزرة قرة ود النورة) إما بأن هم كانوا يحملون السلاح (وهذا طبعا من حقهم طالما ظلوا بسلاحهم داخل قريتهم لحماية أنفسهم في مواجهة كل من يعتدي عليهم)، أو أنه كانت بالقرية قوات عسكرية. وطبعا المعروف بالضرورة في القانون الدولي أن أي موقع مدني يمكن أن يصبح هدفا عسكريا إذا ما ثبت أن به قوات عسكرية، مع التنبيه إلى اتخاذ كل ما يمكن لتقليل إلإضرار بالمدنيين.
لكن الحقيقة التي تعكسها الفيديوهات التي نشاهدها (ولنأخذ حادثتين مجزرة ود النورة كمثال للجنجويد وقصف سوق قندهار كمثال للجيش)، سوف نلاحظ الآتي:
1) مثلا، في مجزرة ود النورة (وغيرها كثير) لا نرى أي عسكريين يتبعون للجيش، أكانوا بين المصابين أو لم يكونوا، الأمر الذي يشير إلى عدم وجودهم في المنطقة من أصله. وهذا ما يثبت أن المنطقة هي فعلا منطقة مدنيين، وأنها منطقة لا تتواجد بها أي قوات عسكرية، وبالتالي يصبح استهدافها من قبل أي مجموعة عسكرية مجرد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
2) أما في حادثة قصف سوق قندهار (وغيرها كثير) فنحن لا نلاحظ فقط التواجد المكثف لمقاتلي مليشيات الجنجويد وهو يجوسون بين المصابين وهم يحملون أسلحتهم، بل نلاحظ قتلاهم هم أنفسهم وبالزي الرسمي. وهذا ما يثبت أنها فعلا منطقة مدنيين (سوق ولو لبيع المنهوبات)، لكن مع تواجد مكثف لقوات عسكرية، الأمر الذي يجعله وفق القانون الدولي هدفا عسكريا، برغم كل الالم الذي يعتصر المرء لكون اشتمال قائمة الضحايا على مدنيين. وفي هذا تتحمل مليشيات الجنجويد المسئولية الكاملة عما أصاب المدنيين وعما أصاب مقاتليها. وطبعا، الجميع يعلم أن مليشيات الجنجويد كانت في مفاوضات جدة قد التزمت بالابتعاد عن المناطق المدنية والسكنية، بدءا بإخلاء منازل المواطنين، ولكنها لم تنفذ هذا الالتزام، كما هو العهد بها.
الخلاصة:
إن ما يجري في الجزيرة، تكتيكيا، هو مجرد خطة عسكرية لجرجرة الجيش لخوض حرب عصابات على غرار حملات “الفزع” في منطقة تعتبر غابة شائكة من قنوات الري (الكنارات)، والمفازات ذات الدروب المتقاطعة. لتنفيذ هذه الخطة، وبحكم نزعة البطش والتنكيل المركبة عميقا في جبلّة مليشيات الجنجويد، جاءت توصيات مباشرة من قبل خبراء حرب مستأجرين لدى دولة الإمارات لتقوم مليشيات الجنجويد بارتكاب كل أنواع الجرائم في المواطنين العزّل. ويابطبع، هذه بحكم طبيعتها ليست سوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة. والمسئولون عنها هم مليشيات الجنجويد وراعيتها الإقليمية (دولة الإمارات) وكل القوى والكيانات السياسية والمدنية التي تتحالف مع مليشيات الجنجويد، ثم المجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة ومجلس الأمن.