تمر مدينة نيالا في غرب السودان بظروف صعبة بعد حدوث اشتباكات عنيفة مؤخرًا بين الجيش السوداني والقوات المتمردة التابعة للدعم السريع والتي تعتبر إرهابية. تسببت المعارك بسقوط عدد من الضحايا المدنيين وتدمير أجزاء أخرى من المدينة، بالإضافة إلى انقطاع تام لشبكات الاتصال وتعرض الأسواق والمنازل للنهب. سيطرت القوات المتمردة على مدينة نيالا بعد مواجهة مع القوات التابعة للجيش، وتمكن الكثير من المواطنين من الهروب إلى مناطق أخرى، ولكن آخرون لا يزالون عالقين في أحياء المدينة التي تم احتلالها من قبل المليشيات المساندة للدعم السريع.
وتعد مدينة نيالا، التي تعتبر عاصمة ولاية جنوب دارفور، ثاني أكبر مدينة في السودان بعد العاصمة الخرطوم، وتبعد عنها حوالي 900 كيلومتر. تعتبر هذه المدينة واحدة من القليلة التي نشأت كمدينة، حيث تتلاقى الطرق المؤدية من الشرق والغرب والجنوب والشمال فيها. تعد نيالا أيضًا مركزًا رئيسيًا لتجارة الصمغ العربي، كما يسكنها العديد من القبائل. تحدها الولاية بشكل بري من جنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
سيطرة الدعم السريع بعد معارك عنيفة
منذ حوالي أسبوع ، زادت قوات الدعم السريع هجماتها على الجيش ، وخاصة المقر الرئيسي للفرقة المشاة السادسة عشرة ، في حين قصفت طائرات الجيش تجمعات وتحركات قوات الدعم السريع قبل أن تستولي قوات الدعم السريع على قيادة الفرقة و ينسحب الجيش. هذا زاد من عدد النازحين ، بينما ظل قادة الجيش صامتين ولم يصدروا أي بيان بخصوص ما حدث في المدينة. وقد عينت قوات الدعم السريع العقيد صالح الفوتي كقائد مكلف للفرقة المشاة السادسة عشرة ، وفقًا لما نشرته في حسابها بموقع “إكس” في 28 أكتوبر/تشرين الأول السابق.
تأتي هذه التطورات الميدانية في وقت متزامن مع بدء محادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة برعاية سعودية أميركية. تدور المحادثات بين الجانبين حول تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتحقيق وقف إطلاق النار واتخاذ إجراءات لبناء الثقة، بالإضافة إلى إمكانية التوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية. وأعلن المسؤولون عن المحادثات (السعودية، الولايات المتحدة، إيغاد، والاتحاد الأفريقي) في بيان صدر في 29 أكتوبر الماضي أن المحادثات لن تتطرق إلى القضايا السياسية.
فيما يتعلق بالأوضاع في نيالا، أفاد الشاب علم الدين، الذي يقيم حالياً في نيالا، بأنه يُشهد هدوءًا حذرًا في المدينة بعد انسحاب الجيش وتوقف المعارك. وتحاول “القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح” إخلاء المواطنين المتبقين، وأشار إلى وجود جثث ما زالت في الشوارع بالقرب من مقر الجيش، بالإضافة إلى وقوع عدد من القتلى نتيجة انفجار لغم أرضي بالقرب من مقر الفرقة 16 المشاة التي أصبحت خالية.
ووفقاً للدين، تم تعرض أحياء مثل الجير والنهضة لهجمات عنيفة من قبل الجماعة السريعة، حيث تم نهب كل شيء. ويتم حالياً قتل أو اعتقال أي شاب من حي الجير بسبب اتهامهم بدعم الجيش وإغلاق الطرق التي تؤدي إلى المقر العسكري في المدينة، وهناك جثث تهم مدفونة بواسطة الهلال الأحمر السوداني. ويعمل الجماعة السريعة حالياً على إقامة نقاط تفتيش تزعم أنها لمحاربة اللصوص.
في حديثها لـ”إنتهكات السودان”، صرحت المواطنة منى التي تمكّنت هي وأسرتها من الهروب إلى مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، بأن الطيران العسكري كان يستهدف حي الثورة الذي كانوا يسكنونه بسبب وجود عدد من عناصر الدعم السريع في الحي، وكذلك كان الجيش يطلق القذائف ويرشق بالرصاص القناص. وأضافت “عندما يشعرون أعضاء الدعم السريع بصوت الطائرات يهربون، في حين نبقى نحن على الأرض حتى انتهاء الغارة”.
أشارت إلى أن الوضع في المدينة مروع، حيث تم قطع الاتصالات لأكثر من شهر وتم إغلاق الأسواق وحدوث نقص في الطعام. وأضافت أن حينها كانت منطقة الحي أقل تأثرًا مقارنةً بأحياء الجير والواحة والنهضة التي تحولت إلى جحيم. تم نهب البيوت واعتداءات على الفتيات من قبل قوات الدعم السريع، وكان هناك شباب قاموا بإقامة نقاط حماية للأحياء من اللصوص وتم قتل بعضهم واتهامهم بإغلاق الطريق إلى قيادة الجيش.
وقد أوضحت منى أنهم انتقلوا مع العديد من الأسر إلى المدينة المعروفة باسم الفاشر، وهم يحملون معهم كل ما توفر لهم. كما أن هناك أسراً تم تفرقة أفرادها ولم يعد لديهم أي ممتلكات بعد أن نُهبت جميع أموالهم. وشددت على أن “الطريق كان صعبًا، وأقامت القوات السريعة نقاط تفتيش، وكانوا يقومون بإيقافنا ويسألونا عن الوثائق الثبوتية، وكانوا يكونون صارمين مع الشباب ويفتشون هواتفهم. بعض الأشخاص قرروا الهروب سيرًا على الأقدام، وهناك من تم مساعدته من قبل القوات المشتركة للحركات المسلحة”.
تعد “التحالف الجماعي لحركات الكفاح المسلحة” قوة تم تشكيلها من مجموعة من الحركات المسلحة التي كانت تحارب الحكومة في إقليم دارفور وقد وقعت على اتفاق سلام. يهدف هذا التحالف إلى حماية المدنيين وتقديم المساعدة لقوات الحكومة.
أوضاع كارثية في نيالا
وفيما يتعلق بتصريحه، قال المواطن عبد العظيم طاهر، وهو من سكان نيالا، إلى “إنتهاكات السودان”، أن المدينة أصبحت ساحة حرب بين الجيش والدعم السريع. وأشار إلى أن الأوضاع مأساوية للغاية، خصوصًا أن هناك العديد من المدنيين الذين لم يتمكنوا من الهروب ومازالوا محصورين في منازلهم، وأنه هو وبعض النازحين توجهوا إلى الفاشر، ولكن العديد منهم لا يمتلكون وسيلة نقل ولا أموال.
أشار طاهر إلى أنه لا يمكن حاليًا دخول أي مركبات لنقل المحاصرين. ومعظم السيارات المتواجدة حاليًا تعود لأشخاص ذوي علاقة بالقوات السريعة. حتى الذين تمكنوا من الهروب إلى المدن المجاورة مثل الضعين في شرق دارفور والفاشر في شمال دارفور يعانون من ظروف صعبة جدًا، إذ ليس لديهم المال ولم يحصلوا على أي مساعدة من منظمات ما. وأضاف قائلاً: “يعاني المحاصرون من انقطاع الماء والكهرباء والاتصالات، وتوقف المستشفيات. المستشفى الإيطالي للأطفال كان المستشفى الوحيد الذي كان يعمل، ولكن قوات الدعم السريع اقتحمته قبل أيام وحولته إلى ثكنة عسكرية. وكذلك، المستشفى التركي توقف عن العمل.”
وأكد طاهر أن المدينة تعاني من أعمال نهب كبيرة، حيث يتم نقل البضائع والمسروقات على شاحنات في ضوء النهار. ولاحظ أيضًا حدوث جرائم شخصية واستهداف العسكريين المتقاعدين وأفراد الشرطة، وهذا يجعل الوضع في المدينة مختلفًا تمامًا عما كان عليه من قبل. وهناك سيطرة كاملة للدعم السريع التي تنتقل من حي إلى آخر.
في تصريح لـ “إنتهاكات السودان” ، قال الرائد أحمد حسين ، المتحدث باسم “القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح” ، إنهم شهدوا في الأيام الأخيرة زيادة في توتر الاشتباكات داخل المدينة ، مما أسفر عن زيادة عدد القتلى المدنيين نتيجة للقصف التعسفي والتفجيرات المتواصلة لمدة أسبوع.
وأشار إلى أنه قد قررت بعض الأسر مغادرة مدينة نيالا، لذلك قامت “القوة المشتركة” بنقلها إلى مناطق آمنة خارج منطقة الاشتباكات، وتوجهت عمليات النقل باتجاه مناطق اللبدو والمهاجرية ولادوب، وهي مناطق تقع شرق نيالا. تمت إيصال بعض الأسر إلى مدينة الفاشر، وواجه التحدي الأكبر نقص الوقود وصعوبة الطريق.
وقال حسين: “نحن، في قوة الحركات المسلحة للكفاح المشتركة، أعلنا موقفًا واضحًا وصريحًا بشأن الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع وهو موقف الحياد. واستمررنا في حماية المواطنين وممتلكاتهم داخل بعض المدن مثل الفاشر ونيالا، فضلاً عن الأسواق والقوافل الإنسانية والتجارية والمؤسسات والمنظمات”. وأكد أن قواتهم لن تترك مدينة نيالا على الإطلاق، وأنهم حاليًا متمركزون في مواقعهم، ويرون أنه ليس هناك سبب لقوة الحركات المشتركة لمغادرة نيالا، لأنها تعتبر طرفًا محايدًا ومعارضًا للحرب وتدعو إلى السلام، وتعمل على إخراج المدنيين إلى مناطق آمنة بعيداً عن منطقة الاشتباكات.
أصدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في السودان بيانا في 27 أكتوبر، يشير إلى الوضع المأساوي في مدينة نيالا، وتحذر من تهديد الحياة الذي يواجهه المدنيين، بما في ذلك اللاجئين والنازحين داخلياً. وتجدد الدعوة للأطراف المعنية للعمل على ضمان حماية المدنيين وتأمين مرور المساعدات الإنسانية بأمان.