الحرب وشبح المجاعة في السودان
تهديد الحرب والواقع الاجتماعي الذي خلقه لبنية الأسرة ومستقبل الشباب يتزايد كلما امتدت فترة النزوح. وأصبحت التحذيرات التي أطلقتها منظمة الزراعة والأغذية منذ العام الماضي بشأن الفجوة الغذائية وهيمنة المجاعة في السودان قاب قوسين أو أدنى من التحقق بسبب الحرب.
تحدث الأستاذ مصطفى آدم، المدير التنفيذي لمنظمة الزرقاء للعون الإنساني، عن زيادة ظاهرتي التسول والسرقات الصغيرة بسبب النزوح وقلة المعونة المتاحة للنازحين. حذر من هذه الظواهر وطالب وزارة الرعاية الاجتماعية بالتصدي لها بشكل وقائي من خلال ملاحظة الإشارات والتعامل معها بشكل سلفي.
وشدد في حديثه إلى راديو دبنقا على أن نحو سبعة ملايين شخص نزحوا إلى الولايات الأكثر أمانًا ، وأوضح أن هذه الأعداد لم تتوجه جميعها إلى مراكز الإيواء ، وفقًا للطبيعة السودانية ، بقيت العائلات بأكملها مع معارفها وأقاربها مما أدى إلى زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة إلى ثلاثين فردًا في بعض الحالات ، وهذا هو الوضع الذي يحتاج إلى مساعدات ولا يمكن لأصحاب الأسر المضيفة أن يتحملوها بمفردهم على المدى الطويل.
يقول الكاتب إن حجم الحاجة للمساعدات في مختلف مناطق السودان كبير جدا، ولكن عمليات التنسيق التي تتولى هذا العمل الضخم لا تزال تتعثر وتُعاد تشكيلها باستمرار. ونتيجة لعدم التنسيق والمراقبة، تتسرب المساعدات ويتم استغلالها تجاريا. استشهد المتحدث بحادثة حدثت مؤخرا في بورتسودان، حيث تم تلاحظ وجود عناصر من العجوة والناموسيات للبيع وهي تعتبر مواد إغاثة يجب أن تصل إلى المحتاجين في مراكز إيواء النازحين.
لم تتعاون مفوضية العون الإنساني مع تلك المنظمات في مستوى اللجان المشتركة ولم تمنحها أي فرصة للمشاركة في عمليات الإغاثة. وتعد هذه المشاركة أمرًا هامًا لأن المنظمات الوطنية شريك أساسي في عمليات الرصد والمتابعة التي تضمن توافر المساعدات للمحتاجين.
من جهة أخرى، أوضح الأستاذ بشير الصادق مدير منظمة الطفولة (ليزنفات) أن المشكلة التي تواجهها المنظمات الوطنية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية هي تجديد تصاريح العمل الخاصة بها أو تمديد إذن العمل، وهذا أدى إلى تعطل أعمال معظم هذه المنظمات، بالإضافة إلى تعرض مقارها ومخازنها لعمليات النهب منذ بداية الحرب.
وقال إن الحرب أدت إلى تشتت القوى العاملة وتعذر توفير الحماية لهم أو ضمان سلامتهم في العاصمة، وأصبح الجزء الآخر من الموظفين والمتطوعين يلجؤون إلى المناطق الآمنة وصارت عمليات التواصل والاستقرار لديهم تواجه صعوبات كبيرة.
وأوضح بشير أن الوضع الحالي يعاني من صعوبة في استيراد البضائع والمعونات للبلاد، ويواجه صعوبات في عمليات استلام المساعدات التي تصل، وظهور مشاكل في عملية التخزين في بورتسودان. كما يقوم السلطات الرسمية أحيانًا بمنع هذه المنظمات من استلام المعونات بأنفسهم وتوجيهها للمؤسسات الحكومية الرسمية للتوزيع.
في حديثه لراديو دبنقا، ذكر الأستاذ مصطفى ادم مدير منظمة الزرقاء بأنه يتوفر لدى الرأسمالية الوطنية وأصحاب البر والإحسان القدرة والرغبة في مساعدة الفارين والنازحين جراء الحرب، ولكن الثقة في الجهات المسؤولة عن توزيع هذه المساعدات تمثل أزمة كبيرة تواجه المنظمات في الوقت الحالي.
يهتم أيضًا بالمعلومات التي أوردها الأستاذ بشير الصادق حول تعرض مباني المنظمات لعمليات نهب واسعة. وأفاد بأن معظم المنظمات فقدت أكثر من ٧٠٪ من مواردها وأصولها بسبب هذه العمليات النهب. وطالب بضرورة وجود شراكات بين المنظمات الدولية والمنظمات المحلية، حيث يمكن للمنظمات المحلية بفضل معلوماتها وخبرتها أن تساعد في عمليات التوزيع.
فيما يتعلق بالفجوة الغذائية والمجاعة المحتملة في السودان التي حذرت منظمة الفاو منها، أوضح مصطفى آدم أن التحذيرات بشأن الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة كانت قد صدرت قبل عام من الآن وتحدثت عن ما يقدر بـ 15 إلى 18 مليون شخص وفقًا لتقديرات المنظمة. كان من المفترض أن تتولى الحكومة وضع خطة طوارئ لمواجهة هذه التهديدات، ولكن لم يحدث ذلك. ومع وقوع الحرب، تصبح هذه التهديدات أكثر واقعية خاصة في مناطق الزراعة التي تتأثر بشكل كبير بالحرب.
وأشار إلى أن العالم مشغولٌ بالتوقعات المتعلقة بالجوع في السودان، ومن المحتمل أن يتم عقد مؤتمر في القاهرة قريبًا بهذا الشأن. ودعا الجمعيات والمنظمات إلى التعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية والعمل معًا لتجنب وقوع كارثة قريبة.