في الثالث عشر من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قام الشاب السوداني عبد الجليل عمر (22 عاما) بتوثيق حكاية حبه التي استمرت لمدة ثماني سنوات مع الفتاة السودانية هبة عبيد (20 عاما) من خلال عقد قرانه عليها.
لم يخطر في بال الشاب أبدًا أنه لن يشعر بالسعادة التامة، وأن كل الأمور التي خطط لها مع حبيبته ستفشل من قبل أن يتم تنفيذها بسبب تدخل مليشيات قوات الدعم السريع. تمتد أيديها لاختطاف حبيبته أو إخفاءها تمامًا، حتى أصبح من الصعب جدًا تتبع أي معلومات أو أخبار عن مكانها أو حالتها.
كان الشابان يعيشان في حي يُعرف بـ”الأزير قاب” وسط مدينة الخرطوم السودانية، وقد تخرجا من المدرسة الثانوية بتقدير جيد ولم يتابعا دراستهما. يقول الشاب لـ”العربي الجديد”: “عرفت قصتنا جميع أهالي الحي عندما تزوجتها، شعرت بالفرحة من جميع أبناء الحي بمناسبتنا الخاصة هذه”.
ألجأ عبد الجليل إلى تجميد فكرة استكمال تعليمه حتى يتمكن من الانخراط في العمل إلى جانب والده فيصل، الذي يعمل مزارعاً في سنه ال٥٨، حيث يحتاج إلى توفير متطلبات مرحلة الزواج. بالنسبة لهبة، فقد تجمدت رغبتها في الدراسة بسبب حيرتها في اختيار تخصص مناسب.
في نهاية شهر يناير/كانون الثاني، بعد مرور أسبوعين من توقيع عقد الزواج، قرر الشاب السفر إلى العاصمة القطرية الدوحة بحثًا عن فرصة عمل أكثر تحسينًا، وبالطبع اتخذ هذا القرار برضا هبة.
في الأسبوع الأول من الاشتباكات في السودان في منتصف شهر إبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، قررت هبة مع عائلتها المؤلفة من ثمانية أفراد النزوح إلى حي آخر يدعى “الدروشاب”. وقد اختاروا منزل أحد أعمامها في هذا الحي لأنه أكثر أمنًا، خاصةً بعدما احترق الحي الذي هربوا منه تقريبًا نتيجة للاشتباكات المستمرة.
عبد الجليل، الشاب المستكمل، يصف الوضع الذي واجهه خلال الأحداث قائلاً: “عندما وقعت الأحداث، شعرت بحالة من التوتر الشديد. أولاً، كانت العائلة مضطرة للنزوح لمدة 5 ساعات تحت وابل من الرصاص والقصف. ثانياً، كانت هبة تعيش حالة من الرعب الشديد. تمكنت من السيطرة على نفسي عندما علمت أن أفراد عائلتي وهبة قد بقوا في أمان”.
مرت الأيام والأسابيع، وفي بداية الحرب كان التواصل بينهما يحدث تقريباً يومياً، ولكن مع انقطاع التيار الكهربائي وتدمير محطات الاتصال، أصبح من الصعب تحقيق فكرة التواصل الإلكتروني والهاتفي. بالنسبة لهبة، عندما ترغب في الاتصال بعبد الجليل، يجب أن تخاطر بنفسها وتخرج من المنزل، لأنه لا يوجد شبكة اتصال داخل المنازل في السودان.
يكمل الشاب قائلاً: ” تحت هذه الظروف، قمنا بوضع ترتيبات للتواصل بيننا؛ وحفاظاً على الأمان، اتفقنا على إجراء مكالمة هاتفية كل أربعة أيام لمدة دقيقتين في فترة النهار”.
واصلت هذه العملية حتى وصلنا إلى اليوم الأول من عيد الأضحى، والذي كان في صباح 29 يونيو / حزيران الماضي. خرجت هبة من المنزل للاتصال بحبيبها في الوقت الذي كانت الأجواء متوترة. ويقول الشاب: “استمرت المحادثة لمدة نصف دقيقة، ثم انقطع الاتصال”.
لم يتصور الشاب أنه حدثت مصيبة، وقام بإكمال يومه مع أصدقائه في مدينة خليفة في قطر حيث يقيم. بعد مرور أربعة أيام، حاول الشاب الاتصال بِهِبَة، ولكن دون نجاح، لكنه لم يشعر بأي توتر.
بعد مضي اثني عشر يومًا، تفاجأ عبد الجليل خلال مكالمة مع عائلته بأنه هبة اختفت في اليوم الأول من عيد الأضحى، في نفس لحظة تلك المكالمة، وتم إخفاء ذلك عنه لتجنب وقوعه في حالة توتر أو صدمة.
يقول الشاب بوجه باهت: “لا يتوفر أي معلومات عن هبة، جميع التخمينات تشير إلى أنها تم اختطافها من قبل قوات الدعم السريع، تواصلت عائلتي وعائلتها مع المؤسسات حقوقية ونسائية، كما نشرنا صورة لهبة ومعلومات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي لتعريفها”.
المعلومة الوحيدة التي وصلت إلى عائلة هبة، ولم يتم تأكيدها بعد، تقول إن قوات الدعم السريع قد اختطفتها بحجة التجسس مع ضباط من الجيش.
يقضي عبد الجليل معظم وقته في الجلوس في المسجد، يتضرع ويناجي الله، وفي نفس الوقت يحافظ على اهتمامه بالهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتابع الاتصالات مع عائلته وأصدقائه بهدف العثور على أية معلومة تقوده إلى هدية.
في كل يوم يمر، يستمر عبد الجليل في الشعور بالصدمة، ولا يمكنه أن يجد طرقًا للنوم، بل فقدت لديه رغبته في تناول الطعام.
يقول بصوت متقطع: “أنا الأكثر تأثرًا بالحرب في السودان، فمَن فقد عزيزًا على الأقل يعلم أنه توفي، أما أنا فما زلت مشدوهًا بلا نهاية لحبيبتي”.
تُعد قصة اختفاء الشابة هبة أو اختطافها واحدة من العديد من حالات الاختفاء والاختطاف والاغتصاب التي وقعت خلال حرب السودان التي ما زالت مستمرة، وبالتالي أصبحت فكرة اختطاف واغتصاب النساء السودانيات منتشرة ومنتظرة.
وما يدعو للقلق هو أن هذه الحادثة ليست غريبة، فقد سبق أن اتُهمت الجماعات المسلحة بسلسلة من الانتهاكات خلال التظاهرات المناهضة للحكومة في السودان التي بدأت في نهاية عام 2018.
في الشهر الحالي، صرحت سليمة الخليفي، رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، بأن التقارير التي تناولت قضايا اغتصاب النساء وتعرضهن للعنف تمثل نسبة 2% فقط من ما يحدث في الواقع.
وكشفت الخليفي عن الإحصائيات التي قامت الوحدة بتوثيقها، وأظهرت أن عدد حالات الاعتداء الجنسي في الخرطوم بلغ 42 حالة، وفي نيالا بلغ 25 حالة، بينما تم تسجيل 21 حالة عنف جنسي في الجنينة.
صرحت الخليفي بأنّ “معظم البلاغات في الخرطوم تحمل ضدّ قوات الدعم السريع وبعضها ضدّ مجهول، في إطار عمليات السطو والنهب. ولكنّ جميع الناجيات في نيالا والجنينة أفادن في شهاداتهن بأنّ الاعتداءات تمت على يد عناصر تابعة لقوات الدعم السريع”.
يواجه الجيش وقوات الدعم السريع اتهامات متبادلة بارتكاب انتهاكات جنسية منذ بداية النزاع الحالي، ولكن الأمر المؤكد هو أن المرأة السودانية هي الضحية في هذا السياق.
عاد عبد الجليل إلى حالة التوتر والصدمة، ولكنه استعاد قوته وبدأ يفكر بجدية في العودة إلى الحي الذي اختفت فيه هبة، لكي يبحث عنها بنفسه.
يختم الشخص قوله: “حتى لو اضطررت للتضحية بحياتي، فإنني سأعود إلى السودان في أقرب وقت ممكن. إذا استمريت في هذه الحالة وأنا أنتظر أي اتصال أو معلومة، فسأشعر بأن عقلي سيتوقف في أي لحظة.”
منذ 15 إبريل/نيسان وحتى الآن، تواصلت النزاعات المسلحة بين الجيش المشرف عليه عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو، حيث سقط أكثر من 2800 شخصاً قتيلًا في هذه المواجهات.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فقد اضطر أكثر من مليونين وسبعمائة ألف سوداني للهجرة من الخرطوم نتيجة الحرب، في حين لا يزال الملايين الآخرون يخافون في داخل منازلهم من تعرضهم لرصاصات طائشة جراء المعارك.