إنتهاكاتاعتقال المدنيينالإغتصابات

الأمم المتحدة: الاغتصاب سلاح حرب في السودان.. وميليشيا الدعم السريع تمارس جريمة ممنهجة بدعم إقليمي

    في شهادة أممية صادمة تكشف عمق المأساة الإنسانية في السودان، وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة والفتيات ريم السالم ما يجري في البلاد بأنه «كارثي وأسوأ من التخيلات»، مؤكدة أن العنف الجنسي والاغتصاب الممنهج تحوّلا إلى سلاح حرب تستخدمه ميليشيا الدعم السريع لتفكيك النسيج الاجتماعي، في سياق حرب تغذيها شبكات إقليمية، على رأسها الإمارات، التي تتهمها تقارير ووقائع متراكمة بلعب دور محوري في إطالة أمد الصراع وتوفير الغطاء السياسي واللوجستي لقوى العنف.

    شهادات من الجحيم: الاغتصاب كسلاح لتدمير المجتمع

    خلال زيارة ميدانية لم تتجاوز تسعة أيام شملت أربع ولايات خاضعة لسيطرة الحكومة السودانية (الجزيرة، الخرطوم، البحر الأحمر، والشمالية)، استمعت السالم إلى قصص «بالغة القسوة» لناجيات من الاغتصاب والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. وأكدت أن ما يجري ليس حوادث فردية، بل سياسة ممنهجة تُدار بوعي لإذلال المجتمعات وكسرها، عبر الاعتداء على النساء والفتيات داخل بيوتهن ومخيمات النزوح، وفي الطرقات ونقاط التفتيش.

    «الرجال يبكون عجزًا»

    الأثر التدميري لا يتوقف عند الضحايا المباشرات. فبحسب السالم، تُجبر ميليشيا الدعم السريع رجال العائلات على مشاهدة الانتهاكات، ليجدوا أنفسهم عاجزين عن حماية زوجاتهم وبناتهم. «إنه قهر مزدوج»، تقول المقررة، «قهر للنساء المغتصبات، وقهر للرجال الذين يُسلبون قدرتهم على الحماية»، في مشهد يهدف إلى سحق الكرامة الجمعية وتفكيك الروابط الأسرية.

    الخوف من الوصمة: صمت مفروض بالقوة

    نقلت السالم مخاوف نساء من الفاشر وغيرها من المدن من الإبلاغ عن الجرائم للمؤسسات الأممية، خوفًا من الوصمة الاجتماعية والانتقام. هذا الصمت القسري يحجب الحجم الحقيقي للجريمة، ويمنح الجناة مساحة أوسع للإفلات من العقاب، في ظل انهيار منظومات الحماية والدعم النفسي والصحي.

    عنف اقتصادي ممنهج: نهب وتجويع وتدمير

    إلى جانب العنف الجنسي، تحدثت المقررة عن «عنف اقتصادي» لا يقل فتكًا: نهب المنازل، سرقة المحاصيل والذهب، تدمير البنية التحتية، وقطع سبل العيش. ووصفت ما يجري بأنه تدمير ممنهج، لا فوضى حرب عشوائية، هدفه دفع السكان إلى النزوح الجماعي وتجفيف الموارد، بما يخدم أجندات السيطرة والهيمنة.

    تقاعس دولي وتمويل شحيح

    انتقدت السالم ضعف التمويل الدولي للخطة الإنسانية في السودان، إذ لا يتجاوز 38%، في وقت يحتاج فيه 30 مليون سوداني—نحو نصف السكان—إلى مساعدات عاجلة. ويضاعف هذا العجز انتشار الجوع والأمراض وسوء التغذية، وانعدام الرعاية الصحية للناجيات من العنف الجنسي، بما في ذلك التعامل مع حالات الحمل غير المرغوب فيه.

    أرقام مفزعة… والواقع أخطر

    وثّقت تقارير أممية تعرض النساء والفتيات لأشكال متعددة من العنف. ففي مخيم زمزم وحده، سُجلت 104 حالات عنف جنسي، بينها 75 امرأة. وأفادت لجنة التحقيق الوطنية السودانية بوجود 1392 حالة اغتصاب جماعي وحمل وزواج قسريين في عدة ولايات، مؤكدة أن هذه الأرقام لا تمثل سوى 2% من الحجم الحقيقي، بسبب الخوف من الإبلاغ. كما سجلت فرق شبكة أطباء السودان 32 حالة اغتصاب خلال أسبوع واحد لفتيات نزحن من الفاشر ووصلن إلى الطويلة.

    الإمارات في قلب المشهد: دعم يطيل الحرب

    في خلفية هذه الجرائم، تتصاعد الاتهامات الموجهة إلى الإمارات بالضلوع في تأجيج الصراع عبر دعم ميليشيا الدعم السريع سياسيًا ولوجستيًا، وتوفير قنوات تمويل وتسليح غير مباشرة. هذا الدور—بحسب تقارير وتحقيقات دولية—لا يكتفي بإطالة الحرب، بل يسهم في تحويل الانتهاكات إلى نمط ثابت، ويقوض أي فرص حقيقية للمساءلة.

    نداء أخير: وقف النار والمحاسبة

    في ختام حديثها، دعت ريم السالم المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغط حقيقي لوقف القتال فورًا، ومحاسبة مرتكبي «الجرائم الفظيعة» قانونيًا، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية بشكل مستقل، وفتح ممرات آمنة للنازحين. وشددت على ضرورة إشراك النساء السودانيات في أي مفاوضات مستقبلية، باعتبارهن الأكثر تضررًا والأقدر على نقل حقيقة ما جرى.

    بين دموع الرجال وعذابات النساء، تتكشف صورة حرب لا تستهدف الأرض فقط، بل الإنسان ذاته. حرب تُدار بأدوات العنف الممنهج، وتغذيها مصالح إقليمية، بينما يقف العالم على مسافة الخذلان، مكتفيًا بإحصاء الجراح.

    Related Posts

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى