انتهاكات المليشيا بالجزيرة.. قصص صادمة وحكايات مروعة
في الحادي والعشرين من أكتوبر، كانت شرق الجزيرة على موعد مع واحدة من أسوأ الانتهاكات في العصر الحديث، جرفت المليشيا المتمردة في حملتها الانتقامية المسعورة الحياة من كل شئ ينبض من انسان وحيوان ونبات، وحولت قرى ومدن شرق الجزيرة التي كانت تعج بالحركة إلى مقابر كبيرة، يلفها الصمت والحزن والوحشة.
نزح سكان نحو 200 قرية ومدينة، هربا من مليشيا الجنجويد بكثير من الذكريات وكل الحزن، تاركين خلفهم كل ما يملكون يعتصرهم الألم والشجن في ديارهم الجديدة.
مواجهة بسكين
في ظل هذا الهرج والمرج، استعصم الحاج عبد الله محمد صالح “75” عاما من قرية “المهيدات أم بلي” 18 كيلومتر شمالي تمبول، استعصم بداره، حاضنا بعض أغنام وحمار وكارو، هى كل ما يملك، رافضا تركها للأوباش ومغادرة المنزل، بقى معه قلة من الشباب من أهله، عقب نفاد رجاءاتهم له بمغادرة القرية التي غادرها الجميع.
كان الحاج عبد الله، فارس معروف وصاحب واجب وعزيز نفس لا يقبل الضيم، وهى صفات تتصادم مع همج الدعم. السريع، الذين يتلذذون بإنكسار من يقع في أيديهم من المواطنين.
يوم الأربعاء الماضي، وصلت قوة من المليشيا لمنطقة “المهيدات أم بلي” حيث يوجد العم عبد الله ونحو 9 شباب، اقتحم الأوباش، القرية منزلا منزل، وعندما وصلوا منزل حاج عبد الله وجدوه برفقة شابين، طلبوا منهم بعد نهب هواتفهم مغادرة القرية على وجه السرعة، امتثل الشابين للأمر وهما بالخروج، وتفاجأ أفراد المليشيا بالحاج الكبير يرفض المغادرة، مسكه أحدهم من دقنه وجره إليه، أخرج عبد الله سكينه وغرسها في قلب عنصر المليشيا وجرح أخر بجواره قبل أن يطلق الأوباش النار عليه وأردوه قتيلا في الحال، هرب الشابين خارج القرية، خسروا الحاج عبد الله لكنهم كانوا شهودا على قصة بطولية لرجل رفض الإذلال ومات مدافعا عن داره بعد أن قتل مرتزق وجرح أخر.
تضحية وألم
على بعد 35 كيلومتر من مكان الحاج عبد الله، وتحديدا في مدينة رفاعة، سطر اسماعيل وزوجته وبنتيه الاثنتين، ملحمة بطولية، حيث واجهوا عناصر من المليشيا مدججين بالسلاح اقتحمت دارهم، بينما كانوا يتأهبون لمغادرة المدينة.
يروي شقيق إسماعيل، الذي وصل المنزل عقب نهبه ومغادرة أفراد المليشيا، أنه وجد شقيقه ملقيا على الأرض وزوجته ووابنته الكبرى مرميتين على الأرض خلف الباب والدماء تنزف منهما، بينما الصغرى والتي تبلغ 18 عاما، لا تزال روحها تنبض رغم تعرضها لإطلاق نار، ما فهمه منها أنهم دافعوا عن أنفسهم بسكاكين المطبخ عندما شعروا أن هدف المليشيا كان اغتصاب الفتاتين وليس السرقة فحسب، مات والدها أولا وهو يواجه أفراد المليشيا بسكين المطبخ ثم رفضت أمها الاستسلام وأختبأت خلف الباب هى وابنتها الكبرى، وعندما لم يخرجا أطلقت المليشيا النار بكثافة أحدثت ثقوبا في الباب وسقطت الأم وابنتها الكبرى ميتتين ووصل الرصاص للصغرى،، لاحقا خرج شقيق اسماعيل من المنزل وحيدا لأن البنت الصغيرة كانت قد فارقت الحياة متأثرة بجراحها.
لمدة عشرة ساعات.. وحيدا في مواجهة المليشيا
في مدينة تمبول المنكوبة، التاريخ 22 أكتوبر، المليشيا عقب سيطرتها على المدينة مساء ذلك اليوم، اقتحمت منازل المواطنين في حملة مسعورة للحصول على أكبر كمية من الغنائم حسب تفكيرهم، في حي العقدة الواقع غربي المدينة، كان الشاب حسن العمدة موجودا في منزله، رافضا مغادرته، كان يدرك بيقين صادق أنه ربما تكون هذه ليلته الأخيرة، رفض جميع توسلات أهله، أخرج أسرته وظل بعض رفاقه في منازلهم المجاورة، استخدم ساترا وأنتظر المليشيا، ولم يخيبوا ظنه، ففي الساعة السابعة والنصف مساء تسور المرتزقة حائط منزله وتبادل معهم على الفور إطلاق النار، كانت بحوزته ذخيرة كافية وبندقية قناصة وسلاح كلاشنكوف، أدار معهم معركة استمرت طوال الليل لمدة عشرة ساعات كاملة، يحكي جيرانه أنهم ظلوا يسمعون تبادل إطلاق النار طوال الليل، وفي كل مرة طوال الليل، كانت المليشيا ترسل فزعا وراء فزع، دون أن ينجحوا في دخول المنزل أو إسكات حسن، وعند السادسة صباحا وعقب نفاد ذخيرته صمت أخيرا صوت إطلاق النار،، لاحقا وجد الجيران، حسن العمدة مرميا في الأرض والذخيرة هشمت جسمه بالكامل، كما وجدوا آثار دماء في مكان ارتكاز أفراد المليشيا جوار الحائط.
حري بالقول، أن قصص انتهاكات كثيرة مضت مع القتلى، وأخرى لم تروى بعد، لكن بنظرة واحدة لمعسكرات النزوج بالقرية 6 عرب بحلفا الجديدة، تجد إمرأة تبكي زوجها وأخرى تبكي ابنها وطفلة تبكي أباها، وتسمع هناك قصص انتهاكات من شهود عيان، لم يسمع بها بشر، انتهاكات فاقت التصورات، لكن من بين هذا الرماد ستنهض أمة جديدة تترجم قصص الانتهاكات هذه لمواسم فرح وتصبح هذه الانتهاكات مرويات تحكي قصة أشخاص دافعوا عن أرضهم وعرضهم بكل ما يملكون.