التقارير

استمرار الحرب يقتل أطفال السودان ببطء ومنظمة يونيسف تحذر من كارثة ستحل بالاطفال

    تمكنت مريم ذات الـ 53 سنة، وأطفالها الثلاثة، من الفرار نحو الحدود التشادية بعد 30 يومًا من الحصار في مدينة الجنينة، الواقعة في غرب السودان، حيث تعرضوا للجوع والعطش والخوف. ومع ذلك، في اليوم الثاني لهروبهم، لقوا أطفالها المصرع على يد مليشيا مسلحة. وبعد ثلاثة أيام من المشي، وصلت مريم بنفسها إلى مدينة أدري في تشاد.
    تقول ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في السودان، مانديب أوبراين، في آخر تقرير لها من مدينة بورتسودان، إن قلق المنظمة يتزايد بشدة بسبب وجود خمسة ملايين و600 ألف طفل في إقليم دارفور المضطرب. ومن المؤسف أنه لا يشمل هذا القلق الأممي أطفال مريم الثلاثة، حيث تم الأسف عن وفاتهم بالفعل.
    يُشير تقرير المؤسسة إلى أن استمرار العنف وتدهور الوضع الأمني أدى إلى نهب إمدادات المنشآت الإغاثية في دارفور، ووضع حياة الأطفال الذين يعيشون في هذه المنطقة عرضة لمخاطر “السوء التغذية والأمراض”. ويُلاحظ أن العديد من الأطفال في السودان يواجهون صعوبة في الوصول إلى الخدمات الأساسية والطعام والأدوية الحاسمة للبقاء على قيد الحياة. وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن حوالي 9 ملايين طفل كانوا بحاجة للتغذية قبل اندلاع الحرب. وفي الوقت الحاضر، ومع استمرار الحرب، يوجد حوالي 13 مليون و600 ألف طفل بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والمياه والعلاج والتغذية والحماية.
    تقول أماني علي، متخصصة التغذية في أحد مستشفيات الخرطوم، لصحيفة “العربي الجديد”، إنه في الوقت الحالي يعاني الأطفال من نقص كبير في الغذاء في البلاد، ونظرًا لحالة النزوح التي يعاني منها الكثيرون من الأطفال حاليًا، فإنهم يعانون أكثر من أي وقت مضى من سوء التغذية وعدم توفر الأدوية، مما يجعلهم عرضة للاصابة بالأمراض المرتبطة بالجوع. يعاني الجميع من سوء التغذية، حتى الأطفال الموجودين في معسكرات النزوح، ويعتبر التدخل الخاص بالمنظمات الدولية هو الحل الوحيد، نظرًا لقدرتها على توفير الغذاء اللازم للأطفال.
    يؤدي الملاريا إلى وفاة أعداد كبيرة من السكان السودانيين سنوياً، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تحدث 61 في المائة من حالات الوفاة بسبب الملاريا في الشرق الأوسط في السودان. تشير أماني إلى أن “سوء التغذية يؤدي إلى ضعف مناعة الأطفال ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض مثل الإسهال والملاريا والسل والتيفوئيد، وخاصة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وهؤلاء هم الأكثر عرضة للوفاة”.
    تسببت الحرب في إنتاج ظروف صعبة في السودان، وأدت إلى توقف صرف أجور الموظفين في القطاعين العام والخاص لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، وهذا يؤثر سلبًا على الوضع المعيشي لغالبية الأسر. كما عرّضت الحرب التي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان لعامًا سابقًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حياة حوالي 20 مليون طفل في السودان لمخاطر كبيرة.
    تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن حوالي 500 طفل قد قتلوا خلال الشهرين الأخيرين وان حوالي 4 ملايين طفل قد نزحوا مع عائلاتهم و 2 مليون طفل قاطنون في الدول المجاورة ومنهم حوالي مليون طفل فقط يعيشون مع أسرهم و 170 طفل بلا ذويهم وصلوا الى تشاد.

    تقول منظمة “اليونيسف” إنها استلمت العديد من التقارير الموثقة التي تفيد بمقتل أكثر من 330 طفلاً وإصابة أكثر من 1900 طفلاً حتى 6 يونيو/ حزيران السابق، وتشير إلى أن هناك أخطارًا عديدة تحيط بالأطفال في السودان.
    تعرضت المرافق الصحية المتخصصة في توفير الرعاية الطبية للأطفال في ثماني ولايات سودانية، ولا سيما في إقليم دارفور وولايتي شمال وجنوب كردفان وولاية الخرطوم، لأضرار جسيمة جراء النزاع العسكري. وفي اليوم الأول للحرب، توقفت عن العمل المراكز الطبية مثل مستشفى أحمد قاسم التخصصي في جراحة القلب وزراعة الكلى، ومستشفى محمد الأمين حامد للأطفال، ومستشفى جعفر بن عوف للأطفال. كما توقفت إحدى المراكز الطبية الرئيسية في مستشفى سوبا الجامعي تدعى مركز نورا، والذي يعتبر المركز الوحيد المخصص لغسيل الكلى للأطفال.
    يقول الطبيب عبد الرحيم محمد إبراهيم من مستشفى الأبيض الدولي في ولاية شمال كردفان إنّ “لا تتوفر أدوية التخدير، وبالتالي نجد أنفسنا في كثير من الأحيان مضطرين لاستخدام بدائل لسير العمل، وتعاني جميع المستشفيات في الولاية من نقص في إمدادات الأوكسجين، والكمية المتوفرة حاليًا تكفي بالتواضع لبضعة أيام فقط، وضعفنا حصر استخدامه في الجراحات على الرغم من احتياج الأطفال للأوكسجين”.
    تحتاج “يونيسف” إلى 837.6 مليون دولار أمريكي لضمان استمرار تقديم المساعدات الحيوية في مجالات الصحة، والتغذية، والمياه، والصرف الصحي، وحماية الأطفال، والتعليم، والدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من الصراع المستمر. في كانون الأول / ديسمبر 2022، أفادت المنظمة الأممية بأن هناك 6.9 مليون طفل سوداني لا يحضرون المدرسة، ويواجه 12 مليون طفل تهديدًا بوقف تعليمهم بسبب نقص المعلمين وتراجع البنية التحتية.
    خلال أسبوع واحد، تعرضت دار للأطفال غير المشروعين في العاصمة الخرطوم لنقص حاد في الخدمات الطبية والكهرباء والأوكسجين والأدوية وحضانات الأطفال، مما أدى إلى وفاة 71 طفلاً. وتوفي أيضًا ستة أطفال في مستشفى الضعين بسبب نقص الأوكسجين، وعشرة أطفال في مستشفى الجنينة قبل إغلاقها وتهجير السكان. يعتبر هؤلاء الأطفال المولودين خارج إطار الزواج وفاقدي الرعاية الوالدية.

    وبما يقوله الأطباء، يؤثر إغلاق المستشفيات بشكل خطير على حياة الأطفال الذين يحتاجون إلى الحصول على العلاج في وقت سريع، وهو أمر غير متوفر خلال الشهرين الماضيين. ويقول الطبيب عطية عبد الله عطية، السكرتير العام لنقابة الأطباء في السودان، أن الوصول للمستشفيات والحصول على العلاج صعب جداً للأطفال في الوقت الحالي، بالرغم من تعرضهم لانتهاكات جسيمة من طرف الأطراف المتصارعة. كما يشير إلى أن نشاط القطاع الطبي تراجع بنسبة أقل من 30 في المائة، وأصبحت المرافق الصحية العاملة مقتصرة فقط على تقديم الخدمات الطارئة، وهذا يؤثر بشكل كبير على صحة الأطفال.
    وفقًا لأخصائية التغذية، ميسون طاهر، فإن تغذية الأطفال يمكن تقسيمها إلى جانبين. يتكون الجانب الأول من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، وهو لم يعد متاحًا حاليًا. أما الجانب الثاني فيتعلق بالتغذية، ومن المهم أن نعرف أن الأسر الآن تتغذى على أشلاء الطعام بسبب تردي الحالة العامة، وهذا يؤثر على الأطفال بشكل مباشر.
    أدى إطلاق قذيفة من قبل أحد الأطراف المتحاربين إلى تدمير مصنع “سميل” الذي كان ينتج 60 في المائة من الأدوية والغذاء المخصص للأطفال، وفقًا لتصريحات “يونيسف”.
    يخشى الأطباء من عودة ظهور أمراض الأطفال التي تم القضاء عليها في السودان منذ سنوات، مثل شلل الأطفال والحصبة والكزاز. ويقول الدكتور عطية أن عمليات تطعيم الأطفال توقفت حتى في الولايات المستقرة نسبياً، بسبب نقص اللقاحات بجميع أنواعها في السودان حالياً، وهذا يشكل خطراً كبيراً على آلاف الأطفال.

    ويقول عطية: “تم سرقة أو حرق ما كان موجودًا من اللقاحات في المخازن قبل الحرب، أو تلفه بسبب مشاكل التخزين وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع درجات الحرارة”، ويأسف على ضياع لقاحات تصل قيمتها إلى 4 ملايين دولار، ويقول: “كانت هناك كميات من اللقاحات مخزنة في مستودعات الإمدادات الطبية في وسط الخرطوم، وسيطر الدعم السريع على المنطقة، ولا أحد يعلم ما حدث لها. انقطاع التيار الكهربائي عن المخازن التي تحوي هذه الأدوية يؤدي بالتأكيد إلى تلفها، ويمكن أن تحدث كارثة بين الأطفال إذا فسدت المزيد من الأدوية المتوفرة في المخازن”.
    توقفت بيع الحليب في الخرطوم بسبب إغلاق الجسور بين المدن، وحدث ذلك في ظل الزيادة الكبيرة في أسعار الأعلاف، ويشعر أصحاب مزارع الأبقار بالقلق من سرقة سيارات نقل الحليب، حيث أصبحت هدفًا للعناصر المسلحة الموجودة في العاصمة. تقول فاطمة، وهي أم لأربعة أطفال وتعيش في الخرطوم، أنها توقفت عن تقديم الحليب لأطفالها لمدة أربعين يومًا بسبب نقص الإمدادات.

    Related Posts

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى